كي لا ننسى توثّق المعاناة خلال الاجتياح بالتعاون مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين

قبل شهرين، وتحديداً في 28 أغسطس، شنّ الجيش الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية له في الضفة الغربية المحتلة منذ عقود. استهدفت الهجمات مدن جنين ونابلس وطوباس وطولكرم، حيث أعاق الجيش الإسرائيلي سيارات الإسعاف ومنع الوصول إلى المستشفيات.
منذ أسبوع
كي لا ننسى توثّق المعاناة خلال الاجتياح بالتعاون مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين

عقب الاجتياح الماضي، خضع أهالي جنين لحصارٍ دام عشرة أيام، تحدث جمعية العون الطبي للفلسطينيين مع اثنين من سكان مخيم جنين للاجئين يعملان مع جمعية كي لا ننسى ، عن تجاربهما وآثار الهجوم، حيث نستعد قريباً لإطلاق شراكة مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين لتقديم الدعم الطبي في الضفة الغربية. كما تحدث الجمعية مع سعاد، إحدى سكان المخيم، التي روت كيف تعرّضت هي وعائلتها للاعتداء من قبل الجيش الإسرائيلي عقب اقتحام المخيم في يوليو 2023. وسنرفق المقابلات المكتوبة مع أعضاء الجمعية، لننقل تجاربهم وشهاداتهم مباشرةً.

فرح أبو الهيجاء
رئيسة جمعية "كي لا ننسى"

كانت عملية الاقتحام الأخيرة لمدينة ومخيم جنين واحدة من أصعب الفترات التي مررت بها في حياتي. عشنا خلال عشرة أيام قاسية تحت الحصار، بدون كهرباء أو ماء. النساء اللاتي أعمل معهن في الجمعية ويعشن في المخيم كن يتواصلن معي باستمرار طالباتٍ المساعدة للخروج أو إيصال الطعام والدواء، لكن لم يكن بمقدورنا فعل أي شيء. شعرت بالعجز التام، خاصةً عندما لم أتمكن حتى من الوصول لرؤية ابنتي وأحفادي الذين يسكنون قريبًا.

ورغم الظروف المأساوية، كان هناك بصيص من الأمل بفضل الشباب في المخيم الذين خاطروا بحياتهم لتوصيل الماء والخبز للعائلات المحتاجة باستخدام الدراجات الرباعية، حيث لم تكن السيارات قادرة على التحرك بسبب الطرق المدمرة. وفي هذه الأوقات الصعبة، كانت التضامن بين الجيران مؤثراً للغاية؛ كنا نتقاسم الطعام القليل المتاح ونطبخ معًا لعائلاتنا وجيراننا.

في البداية، تواصلنا مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتلبية احتياجات السكان. ورغم أنهم قدموا لنا المساعدة في البداية، إلا أن القوات الإسرائيلية أعاقت حركتهم، وقامت بتفتيش كل شيء، حتى أكياس الخبز، بل ورمي الطعام. بعدها لم يعد بمقدور الهلال الأحمر تقديم المساعدة. ومع ذلك، قدم المتطوعون، وكثير منهم تدربوا في جمعيتنا على الإسعافات الأولية والدعم النفسي، المساعدة الحيوية أثناء هذه الأزمة.

رسالتي للنساء في المملكة المتحدة هي أننا جميعًا أمهات، وكل قلب أم يشعر بألم الأخرى. أطلب منكن أن تتخيلن معاناة الأمهات الفلسطينيات اللواتي يتحملن منذ زمن طويل ألم فقدان أطفالهن برصاص الجيش الإسرائيلي دون أي محاسبة. وللحكومة البريطانية أقول: لا يمكن القبول باستمرار توفير حصانة سياسية لإسرائيل. حان الوقت لتحمل المسؤولية والقيام بشيء ملموس لتحقيق العدالة.


سماح زحالقة
منسقة البرامج في جمعية "كي لا ننسى"

أعيش في حي الجبريات المطل على مخيم جنين من الأعلى. عند اقتحام القوات الإسرائيلية، هاجموا المدينة والمخيم في منتصف الليل، ولم يكن أمام العائلات وقت للإخلاء. حاولت العديد من العائلات الهرب فور بدء الاقتحام، استجابة للتحذيرات التي بُثت عبر مكبرات صوت المساجد، التي أصبحت نظام إنذار مبكر فعال في مدينتنا ومخيمنا.

تم إغلاق المخيم بالكامل، بما في ذلك مدخل المستشفى العام. سيطرت القوات الإسرائيلية على جميع مداخل ومخارج المخيم، وأطلقت النار على محولات الكهرباء الرئيسية، مما أدى إلى انقطاع كامل للتيار الكهربائي. عادة ما تعطل القوات الإسرائيلية الاتصالات أثناء الاقتحامات، لكن هذه المرة قطعوا كل شيء: الهواتف الثابتة، الهواتف المحمولة، الإنترنت، وحتى شبكات الجيل الثالث.

كان حجم الدمار هائلًا. جرفت القوات الإسرائيلية الشوارع ودمّرت البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه وخط الأنابيب الرئيسي. دخولهم إلى منازل الناس كان عنيفاً بشكل لا يُصدق - كسروا الأثاث، هدموا الجدران، ونهبوا كل شيء في طريقهم. حتى أن بعض المنازل كانت تحمل آثار البول والبراز على الأسرة والأثاث وأدوات المائدة. للأسف، هذا النوع من السلوك ليس جديدًا؛ فقد شهدنا حدوثه في اقتحامات سابقة.

عندما اقتحموا منزلنا، أول شيء فعلوه كان مصادرة هواتفنا المحمولة. ثم حبسونا في غرفة لمدة ست ساعات دون وسيلة للتواصل. في النهاية، أمرنا قائدهم بمغادرة المنزل دون السماح لنا بأخذ هواتفنا. لم يكن أمامنا خيار سوى اللجوء إلى منزل جارٍ لنا لمدة ثلاثة أيام حتى انسحبت القوات الإسرائيلية أخيرًا من حيّنا. عندما عدنا، وجدنا منزلنا شبه مدمر، بل حتى الطعام في الثلاجة قد أُكل.

من المعروف أن الجنود الإسرائيليين ينهبون المنازل أثناء المداهمات. وعندما رأيتهم يقتربون من منزلنا، خبأت أموالنا في صدري لحمايتها من السرقة. لاحقاً، اكتشفنا أنهم سرقوا شواحن هواتفنا، بطاريات الطاقة الشمسية، التذكارات، وحتى سيجار زوجي.


سعاد أبو عطية
مقيمة في مخيم جنين وأم لأربعة أطفال

عندما اقتربت القوات الإسرائيلية من منزلنا، أخبرني زوجي أنه سيذهب لفتح الباب قبل أن يفجروه. فجأة سمعنا انفجاراً عند الباب، واقتحم الجنود مع كلابهم منزلنا. حبسوني وابنتي البالغة من العمر 16 عامًا في غرفة مع كلب، الذي قام بمهاجمتنا بوحشية. عضّ الكلب ابنتي في وجهها وعضني في رأسي، مما تسبب في نزيف شديد. الكلب استمر في مهاجمتنا. صرخت طلباً للمساعدة من الجنود، لكن لم يكن هناك أي استجابة.

وصلت إلى مرحلة حيث قفز الكلب عليّ وكان يخنقني بجسمه الثقيل والقوي، بالكاد استطعت التنفس أو الكلام. في النهاية، تمكنت ابنتي من إبعاد الكلب عني وهي تصرخ وتخبرني أن أبتعد. تحملنا هذا العذاب لساعات قبل أن يفتح جندي الباب، وبكلمة واحدة توقف الكلب عن الهجوم ووقف بجانب الجندي.

توسلت إلى الجندي أن ينظر إلى ابنتي التي كان وجهها مغطى بالدماء، فقال لي "لا تقلقي، لدينا مسعف." ثم جاء ما يُسمى بـ "المسعف"، وكل ما فعله هو إعطائي مناديل مبللة وأخبرني أن أضعها على وجه ابنتي وأضغط عليها.

ابني الأكبر، الذي يبلغ من العمر 15 عاماً، كان مكبلاً ووُضع في غرفة مع كلب آخر. قام الجنود باستجوابه بينما كان الكلب يهاجمه بوحشية. كانوا يسألونه عن مكان والده؟ أين أصدقاء والده؟ أين الأسلحة؟ كنت أسمعه يصرخ ويقول إنه لا يعرف عما يتحدثون.

في وقت لاحق من تلك الليلة، جمعونا جميعًا في غرفة واحدة، جعلونا نجلس أمام النوافذ واستخدمونا كدروع بشرية. بعد ذلك، وضعونا في غرفة أخرى وألقوا قنبلة غاز بداخلها وأغلقوا علينا الباب، مما كاد أن يتسبب في اختناقنا. في تلك اللحظة، كنت أعتقد أن هذه نهايتي، وأنني لن أرى أطفالي مجددًا. احتضنت أطفالي واستلقينا على الأرض لتجنب الغاز قدر المستطاع. لم أكن أستطيع التنفس. فجأة، فتح أحد الجنود الباب وسمح لنا بالخروج. لو استغرق بضع ثوانٍ أخرى، لكنت قد فارقت الحياة!

عانينا من صدمة نفسية عميقة بعد مغادرة الجنود لمنزلي. لم يتمكن أطفالي من النوم لأسابيع، وابني الأصغر كان يعاني من كوابيس متكررة، يستيقظ في الليل في حالة من الهلع، معتقدًا أن القوات الإسرائيلية ستهاجمنا مرة أخرى. أما أنا شخصيًا، فلا أستطيع رؤية الكلاب دون أن أصاب بنوبة هلع. كلما رأيت كلبًا، يعود إلي الخوف من تلك الليلة المروعة. أفقد السيطرة وأبدأ بالصراخ تلقائيًا. وكلما رأيت مجموعة من الأشخاص يسيرون معًا، أراهم كجنود، وتغمرني مشاعر القلق والخوف. هذه التجربة لا تزال تطاردنا في كل لحظة ولن تتلاشى بسهولة.


كيف تدعم جمعية MAP سكان جنين؟

منذ أن بدأ القصف العسكري الإسرائيلي على غزة منذ أكثر من عام، تصاعدت وتيرة العنف من قبل المستوطنين والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. منذ أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 702 فلسطيني، بما في ذلك مع تزايد استخدام الضربات الجوية.

بالتعاون مع جمعية "كي لا ننسى"، تخطط MAP لتقديم تدريب مهني للنساء في مخيم جنين للاجئين لمساعدتهن على العثور على عمل وتحسين استقرارهن المالي، مما يعزز رفاهيتهن. نخطط أيضًا لتقديم خدمات استشارية وتجهيز إمدادات أساسية لـ 1,100 طفل لضمان توفرها أثناء حالات الطوارئ.